مع ولاية جديدة لأردوغان.. عودة رجل الاقتصاد الحديدي محمد شيمشك

كان العام 2018 هو عام إسدال الستار لمسيرة محمد شيمشك كمسئول عن الملف الاقتصادي في تركيا بعد مسيرة استمرت لمدة 11 عامًا أنهاها بجملة “لقد حاولت أن أترك إرثًا جيدًا ورائي، الناس مؤقتون، والأهم هو خدمة أمتنا الحبيبة، لقد انتهى واجبي كوزير، عملنا ليلاً ونهارًا من أجل بلدنا وأمتنا، أنا اليوم في سلام كامل لتسليم واجباتي بشرف لأصدقاء جدد، أود أن أعبر عن امتناني لرئيسنا لإعطائي الفرصة لخدمة بلدي وتحقيق إرادة والدي

ولكن هذا العام 2023 يعود محمد شيمشك من جديد للمشهد الاقتصادي بعدما قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتعيينه وزيرًا للمالية والخزانة عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت خلال شهر مايو / أيار هذا العام على منافسه كمال كليتشدار، وما بين التاريخين 2018 حتى 2023 شهد الاقتصاد التركي نجاحات في العديد من المجالات أهمها جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولكن في نفس ذات الفترة ورغم كل التقارير التي أكدت أن الاقتصاد التركي رابع أسرع اقتصادات ناشئة وواعدة على مستوى العالم، ولكن مع جائحة الكورونا والحرب الروسية الأوكرانية وما تلاهم من تبعات أثرت على الاقتصاد العالمي وليس الاقتصاد التركي فحسب، وتعد مشكلة التضخم وانهيار سعر الليرة أمام الدولار أبرز المشاكل التي يواجهها الاقتصاد التركي منذ العام 2018 وحتى الآن، وهو ما يواجه شيمشك حاليًا في ظل توجهات متعارضة بين أردوغان ووزير اقتصاده الجديد

ولكن من هو محمد شيمشك الذي أعاده أردوغان ليتولى الحقيبة الوزارية ليكون على رأس الاقتصاد التركي؟

في بعض الأحيان يكون من حسن الحظ أن تبدأ الحياة بالفقر والصعوبات والمتاعب. في بعض الأحيان، قد يكون العيش في منطقة غير متطورة، في فقر ومستحيلات، صراعاً حقيقياً للتغلب على هذه السلبيات ومقاومة الحياة بقوة

بهذه الكلمات عرف محمد شيمشك عن نشأته التي كانت الدافع لتغيير حياته من حياة الفقر إلى أحد أفضل الاقتصاديين في تاريخ تركيا الحديث

ولد محمد شيمشك عام 1967 في قرية أرجا في منطقة غيرجوش في ولاية باتمان (ذات غالبية كردية) جنوب شرقي تركيا، درس في كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة محققا نجاحا باهرا بتخرجه الثاني على كليته، حيث أتيحت له الفرصة لمقابلة وجوه من مختلف ألوان جغرافيا الأناضول وصداقات من زخارف ثقافية مختلفة. جعلت فهمه وتصوراته ثرية

بعد التخرج واصل مسيرته الأكاديمية بالعلوم السياسية، إلا أنه أدرك ضرورة الدراسة خارج تركيا لتحقيق مثله العليا، فاتجه إلى بريطانيا ليتخرج في جامعة إكستر حاصلاً على الماجستير في المالية والاقتصاد

عمل شيمشك في مصرف “Etibank إتي بنك” (مصرف تركي) – عقب عودته من لندن – بوظيفة مدنية بسيطة وروتينية لا تتناسب مع قدراته، ولم يلبث فيها كثيرًا إذ بدأ البحث عن وظيفة أخرى حتى عثر بالصدفة على إعلان للسفارة الأميركية بأنقرة تبحث فيها عن خبير اقتصادي، وباعتباره الشخص الوحيد من بين مئات الطلبات الذي يجيد المطلوب تم قبوله دون أي وسيط، وظل يعمل هناك لمدة خمسة سنوات كاملة لتسديد أقساط المصرف التركي “إتي بنك” لدفع أقساط منحته، وبعد انتهاء الأقساط سافر إلى الولايات المتحدة عام 1997، وعمل في بنك UBS في قسم تحليل الأسهم

وخلال 20 عامًا عمل فيها شيمشك خارج البلاد حصل حلالهما على الجنسيتين الأميركية والبريطانية، عمل فيها بالعديد من المؤسسات الدولية منها في شركتين أجنبيتين منفصلتين للاستثمار والاستشارات هما و  CSFB و Deutsche-Bender وبعد أدائه الناجح في العمل الذي بدأه على مدارعامين جذب الانتباه في المنصة الدولية Merrill Lynch  ميريل لينش إذ عمل فيها كرئيسًا لقسم الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية في منطقة أوروبا الناشئة والشرق الأوسط وأفريقيا، تولى خلالها شيمشك مسؤولية منطقة البحر الأبيض المتوسط ​التي تضم تركيا، وبدأ العمل في الوحدة التي تقوم بإجراء “التحليل الكلي” لهذه البلدان، وخلال فترة ولايته التقى بعدد كبير من المسؤولين على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء دول المنطقة

شيمشك في المطبخ التركي

في عام 2007 وجه رئيس الوزراء (حينذاك) رجب طيب أردوغان دعوة إليه قائلًا له “نريدك معنا في المطبخ”، كانت تلك الدعوة ذات قيمة كبيرة لشيمشك لأنه أراد أن يكون له “بصمة اقتصادية” في تركيا الجديدة، ليحصل على مقعد البرلمان عن مدينة غازي عنتاب، وخدم شيمشك بعد ذلك في الحكومات التي أسست تحت رئاسة أردوغان وأحمد داوود أوغلو وبن علي يلدريم، في الانتخابات العامة التركية 2007 و2011 ، وحزيران 2015 وتشرين الثاني 2015، وفي عام 2018 مع تحول النظام البرلماني إلى رئاسي غادر شيمشك المشهد الاقتصادي بعد 11 عامًا عمل فيها وزيرًا للمالية دولة، ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء

العودة بقوة مع ولاية جديدة لأردوغان

ترجع أهمية شيمشك الأساسية لوجوده في حكومة الرئيس أردوغان مرة أخرى لخبرته الاقتصادية والمالية العالية، وأداؤه الممتاز الذي استمر لأكثر من 11 عامًا في الحكومات السابقة، وأيضًا لعلاقاته الواسعة في المؤسسات المالية العالمية والبنوك الدولية، ما يضمن وجود شخصية لديها علاقات مهمة في مؤسسات دولية مثل “النقد الدولي” و”البنك الدولي” ما قد يساهم في قدوم استثمارات أجنبية أكبر، وتحسين نظرة التصنيفات الائتمانية للاقتصاد التركي.

حاليًا يتولى محمد شيمشك حقيبة وزارة المالية التركي في ظل أزمات متلاحقة وتذبذب يسيطر على المشهد الاقتصادي في تركيا منها انحسار رأس المال الأجنبي عما كان من قبل بسبب خفض الفائدة في البنوك، وتكاليف البنية التحتية المتزايدة، وزيادة فاتورة الديون الخارجية، والعبء المالي المتزايد للاستثمارات العامة أو الاستثمارات المضمونة من قبل الدولة للناس، والجشع الذي سيطر على سوق العقارات والمواد الغذائية وزيادة الطلب عليها، والتغيير المتكرر لمحافظ البنك المركزي، وأخيرًا إصرار الرئيس التركي على خفض الفائدة في البنوك باعتبار أن فائدة البنوك هي العدو الأول، كل هذه التحديات تواجه شيمشك الذي طالب من الشعب التركي – فور توليه مهام منصبه الجديد – بعض الوقت لمعالجة هذه المشكلات

نقاط اشتباك وتحديات

يظل الخلاف بين أردوغان وشيمشك حول نسبة الفائدة، فبينما يتمسك الأول بضرورة خفضها، يؤكد شيمشك على الحاجة إلى رفع الفائدة عندما تقتضي الضرورة، وحتى الآن لم يتم الفصل في هذا الموضوع بين الرجلين

إلا أن ما قد يعيق شيمشك هو خلافه مع الرئيس بخصوص نسب الفائدة المنخفضة، خصوصًا أن أردوغان يصف نفسه بأنه “عدو للفائدة” بهدف تحفيز النمو الاقتصادي والصادرات والاستثمارات، وهو ما يحصل فعلياً حيث يرتفع النمو بشكل دوري بتركيا، إلا أن نسب التضخم ما زالت في صعود مع تبني سياسة فائدة أقل

ويرجح الخبراء أن شيمشك قد يطلب بعض الصلاحيات الواسعة، ومدة زمنية للحصول على نتائج، إلا أنه قد يصطدم برؤية الرئيس أردوغان الذي قد يمنحه بعضًا من المرونة بالعمل في ظل الوضع الاقتصادي المتردي وتراجع الليرة التركية

كما رجح خبراء الاقتصاد أن تقوم أنقرة بدعم برامج المنتجات الإستراتيجية التي تعتمد على الخارج وتحويلها لصناعات محلية، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير إضافية لزيادة معدلات التشغيل وخفض معدلات البطالة